في حوار مع "الصحيفة": وزير الاستثمار في الحكومة الليبية: أدعو المغرب لاستكمال التبادل التجاري بين البلدين.. والاقتصاد يمكن أن يصنع الاستقرار بين الجزائر والمملكة المغربية
دعا وزير الاستثمار بالحكومة الليبية، علي السعيدي القايدي في حوار خاص مع "الصحيفة" إلى فتح الحدود وإعادة التبادل التجاري بين المغرب والجزائر كما كان في السابق، لأن التجارة والاقتصاد - وفق وصفه - هما من يصنعان الاستقرار الكلي بين الدول.
كما طالب الوزير في الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي، التي تتخذ من مدينة بنغازي مقرا لها، من السلطات المغربية التواصل مع الحكومة الوطنية الليبية، من أجل إطلاق ما وصفه بـ"قطار استكمال التبادل التجاري بين البلدين".
ونوه المسؤول الليبي بمجهودات المغرب في احتضان مباحثات "الصخيرات" غير أنه اعتبر أن هذا الاتفاق "لم ينضج كليا منذ الانطلاقة". مشيرا إلى أنها مسؤولية ليبية وليست مسؤولية مغربية، لأن المملكة كانت راعية لهذا الحوار وحاولت تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبين.
في نفس الحوار الذي أجري مع "الصحيفة" في تونس، أكد وزير الاستثمار بالحكومة الليبية، علي السعيدي القايدي أن المرحلة التي تمر منها تونس "صعبة، وليست سهلة". معتبرا أن "الكل يعلم أن "تونس منهكة اقتصاديا" وعاشت "عشرية سوداء" ما بين سنة 2011 إلى 2021.
- في ظل ما تعرفه منطقة الشرق الأوسط من أزمات خاصة بعد الحرب على غزة و لبنان، ألا ترون أن هذه الأحداث سيكون لها تأثير على بطء معالجة الملف الليبي سواء من الجانب السياسي أو الاقتصادي؟
أكيد ما يحدث في المنطقة سيكون له تأثير على دول المنطقة أجمع، وكذلك على ليبيا. والكل يعلم أن الأحداث التي حلت بليبيا خلفت نوعا من الإرباك اقتصادياواجتماعياً وأمنيا. بكل تأكيد ليبيا مرّت بمراحل صعبة وشهدت شبه عزلة منذ سنة 2011 وإلى غاية 2019 تقريبا، جراء الأحداث التي مرّت عليها. ولكن بعد ذلك، أعيدت الحياة إلى ليبيا، حيث عملنا خلال التسع سنوات الماضية على الاستثمار في شتى المجالات، ولم نقف مكتوفي الأيدي. عملنا على تقوية مشاريعنا الداخلية، وهذا أمر مُهم جدا لليبيين.
- عرفت ليبيا منذ سنة 2011 عملية تدمير ممنهج للاقتصاد والبنية التحتية بعد الصراعات المسلحة التي عرفتها البلاد، ما هي التحديات الاقتصادية التي ترون أن عليكم مواجهتها على المدى القصير والمتوسط لإعادة إعمار ليبيا؟
ليبيا بلد حباه الله بالثروات الطبيعية. ليبيا غنية بالنفط والغاز وكذلك المياه، بالإضافة إلى مساحتها الشاسعة. لكن بعد أحداث 2011 إلى غاية 2019 الأمور تغيّرت كليا، حيث كان هناك صراع ممنهج ومخطط بتواريخ وأجندات خارجية لتدمير البلد. كما أن هذه مناسبة لأشير إلى أننا نتأسف على ما يحدث في ليبيا، فبعض الأطراف من الليبيين أصبحوا أدوات لدى بعض الدول الغربية، حيث كانت هناك شريحة من المجتمع الليبي داخل السجون والتي لا يقل عددها عن 16.000 سجين منهم من هو سياسي ومن يحمل صفة المجرم.. صاروا اليوم زعماء مجموعات مُسلحة، أي ميليشيات يشاركون في القرار السياسي في البلاد، وأخص بالذكر من هم في العاصمة طرابلس وغرب البلاد.
وكذلك عرفت بنغازي، وهي ثاني أكبر مدينة في البلاد من 2011 إلى غاية 2016 تواجد مجموعات مسلحة تحت مسمى "ليبيا المقاتلة" أو" داعش" إن صح التعبير، لكن حقيقة نحن الليبيون ليس لدينا حاضنة اجتماعية للإرهاب، لذلك التفت مجموعات من أفراد المؤسسة العسكرية وانطوت تحت مظلة القانون وتحت القيادة العامة للجيش الليبي، والتي أخذت رخصتها من مجلس النواب. واليوم نجد شرق ليبيا وجنوبها ينعم بالأمن والأمان، وهذا أكبر تحدي تشتغل عليه مؤسسات الدولة، وهو استثباب الأمن، فلا يوجد اقتصاد واستثمار قوي دون استقرار أمني وسياسي.
- في سياق واقع المنطقة المغاربية الغير مستقرة سياسيا وأمنيا، وفي ظل الخلافات التي تشهدها بعض الدول مثل ما هو الحال بين الجزائر والمغرب.. هل تعتقد أن غياب الاندماج الاقتصادي بين الدول المغاربية يضر على المدى الطويل بالاقتصاد الليبي؟
كما تعلمين اتحاد المغرب العربي تأسس سنة 1989، حيث كان بارقة أمل لشعوب المغرب العربي من أجل حرية التنقل وكذلك تشجيع المبادلات التجارية بين البلدان المغاربية، وما له من انعكاس على شعوب المنطقة من حيث تسهيل الحركة التجارية دون قيد أو شرط، ولكن دائما هناك خصم أو عدو غير مرئي لدى الشعوب، وبعض الأحيان هذا العدو يُسيّس وراء القيادات السياسية العليا في البلدان، لكن الشعوب لا دخل لها في هاته الصراعات الخفية حيث نجد نزاعات بدون عناوين أصلا بين الجارتين المغرب والحزائر، لكن هناك قوة غربية هي من تفتعل المشاكل بين البلدين. أتمنى حقيقة من الشقيقة المغرب والشقيقة الجزائر إعادة فتح الحدود وإعادة التبادل التجاري بينهما كما كان في السابق لأن التجارة والاقتصاد هما من يصنعان الاستقرار الكلي بين الدول.
- بعد أزمة مصرف ليبيا المركزي وما نجم عنه من توقف إنتاج النفط وتبعات ذلك على الاقتصاد الليبي، ألا ترون أن المناخ السياسي غير المستقر سيصعب دوركم كوزير للاستثمار في جلب مستثمرين لليبيا وما له من تأثير على إعادة إعمار البلاد؟
نعم. دور المصرف المركزي بالنسبة لنا كوزارة الاستثمار كان له تأثير مباشر، هناك بعض الشركات الأجنبية تواصلت معنا للاستثمار وكانت على أهبة الاستعداد لفتح مكاتبها وتجهيز شركاتها، لكن عندما ثم اغلاق المصرف المركزي، الكل اعتذر بسبب ما حدث، حيث لا يمكن خلق بيئة استثمارية في مثل هكذا ظروف. لكن الآن، نشكر كل من ساهم في إعادة رسم سياسة جديدة لإدارة المصرف المركزي بعدما نال المحافظ الجديد الثقة من مجلس النواب، وكذلك نائبيه، ومازلنا ننتظر المرحلة الثانية وهي خلق لجنة إدارة المصرف المركزي، وهي من سترسم سياسة المصرف.
- بعد الإعصار الذي ضرب درنة في شهر سبتمبر 2023 وما عرفته البنية التحتية من تدهور حيث كنتم قد وجّهتم دعوات لعدد من الشركات من أجل إعادة إعمار درنة. أين وصلت جهود الإعمار بعد مضي عام على الكارثة؟
ليبيا دولة غنية بالثروات، وبفضل ثرواتها بدأنا الإعمار. وأعتقد أنه قد تم إعادة تأهيل ما لا يقل عن 2000 وحدة سكنية، وأيضا تم بناء الجسور الرابطة بين الضفتين بحكم أن "درنة" تقع بين ضفتي النهر، وهناك أيضا مدارس جاهزة للافتتاح، وهناك مستشفيات وملاعب ترفيهية ورياضية ثم افتتاحها.
أود القول إن "درنة" اليوم تعيش أفضل مما كانت عليه قبل 2023 من حيث البنية التحتية، ما تحتاجه "درنة" هو المواكبة النفسية لأهالي ضحايا الإعصار للتخفيف عنهم.
- كان للمغرب دور كبير فيما يخص الملف الليبي خاصة بعد محادثات الصخيرات وبوزنيقة. السؤال كيف تقيمون دور المغرب في حلحلة أزمة ليبيا، وهل تعتبرون أن مخرجات "الصخيرات" يمكنها أن تكون أرضية صلبة للحل السياسي في ليبيا؟
أولا المغرب دولة صديقة وشقيقة، لا أحد ينكر دور المغرب وعلاقته المتميزة مع ليبيا. فيما يخص الملف السياسي، بالفعل انطلاقة الحوار للوصول إلى مشروع أو اتفاق كانت في الصخيرات، لكن هذا الاتفاق لم يستكمل حقيقة، ولم ينضج كليا منذ الانطلاقة، وهي مسؤولية ليبية وليست مسؤولية مغربية، لأن المغرب كانت راعية لهذا الحوار وحاولت تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبين.
لكن للأسف هذا الاتفاق أعدته مجموعة دولية لا تريد الاستقرار لليبيا، متمثلة في بعض الدول العظمى منها إنجلترا، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وضعوا لنا الاتفاق المفخخ، فبين بند وآخر نجد مطب وتقارعات لا بداية لها ولا نهاية، لذلك هذا الاتفاق لم يمش في الاتجاه الصحيح. أنا قبل أن أكون وزيرا للاستثمار كنت عضو مجلس نواب، وكنت من أشد المعارضين لهذا الاتفاق منذ بدايته.
أنا دائما أؤمن أن كل شيء ينطلق بإرادة دولية سوف لن يصل بنا إلى بر الأمان، وهذا ما حصل بالتحديد، مع العلم أن مجلس النواب لم يُدستر هذا الاتفاق إلى هذه اللحظة، بما يعني أن هاته الوثيقة ليست ملزمة للشعب الليبي، رغم أن بعض الساسة للاسف من حُبِهم في السلطة بدأوا يتعاملون بهاته الوثيقة أينما حلوا.
- في ظل اعتماد المغرب لميثاق الاستثمار الجديد والذي يقدم العديد من الامتيازات للرفع من جاذبية الاستثمارات الأجنبية بالمملكة. أين وصل ملف التعاون التجاري والاستثماري بين المغرب وليبيا بعد مرور حوالي عام على انعقاد ملتقى الأعمال المغربي الليبي بطنجة؟
كما قلت لك، من يقود السفينة يجد نفسه لا ينظر للأمام فقط، بل ينظر للوراء كذلك. هذا الملتقى كان من طرف غرفة التجارة والصناعة بطرابلس، ولم يُبَلور هذا المشروع الوطني، في ظل وجود بعض الانقسامات في ليبيا بين شرق البلاد وغربها، ووجود حكومتين. حكومة منبثقة من "رحم" الشعب الليبي، وهي مجلس النواب الذي أنتمي إليه أنا شخصيا، وحكومة الوحدة الوطنية "المنتهية صلاحيتها". أتمنى من السلطات المغربية التواصل مع الحكومة الوطنية الليبية، ولدي كل الثقة ان القطار سينطلق مجددا لاستكمال التبادل التجاري بين البلدين.
- كيف تقيمون دور مصر في ظل ما تعرفها ليبيا من انقسامات؟
مصر تضررت بعد سقوط ليبيا، حيث كانت الأسلحة تهرب من ليبيا إلى مصر، لكن وبفضل قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأنا هنا أشكره، وأشكر القيادات الأمنية والعسكرية من أجل وقوفهم مع ليبيا للتصدي "للإرهاب". مصر ساهمت في إعادة إعمار درنة. فـ 90% من الشركات المتواجدة حاليا في درنة هي شركات مصرية.
مصر كان لها دور فعال في ليبيا منذ 2011 إلى تاريخ اللحظة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وهذا يظهر جليا في بنغازي وسرت وجدابيا وغيرها من المدن، حيث نلاحظ تنمية كبرى على مستوى البنية التحتية من الطرقات والجسور والمباني التي شيّدتها الشركات المصرية.
- ربطت ليبيا علاقات جوار متينة مع تونس، اليوم في ظل عهدة جديدة للرئيس قيس سعيد، كيف تطمحون إلى تطوير العلاقات خاصة بعد الأزمة التي عرفتها الحدود بين البلدين ومدى تأثير ذلك على المبادلات الاقتصادية والتي يلعب فيها معبر راس جدير دور مهم؟
المرحلة صعبة، وليست سهلة. والكل يعلم الوضع الاقتصادي المنهك في تونس، ولكن أود القول إنه خلال العشر سنوات تقريبا من سنة 2011 إلى 2021 تونس عاشت "عشرية سوداء". ما حصل في ليبيا يختلف عن ما حصل في تونس، حيث في ليبيا كانت تجري الامور بقوة السلاح، بينما في تونس الحكام السابقون حكموها باستغلال القضاء من خلال تلفيق التهم الخ… وربما ساند "الإسلام السياسي" في ليبيا ما حصل في تونس بعد 2011.
وعليه، الرئيس قيس سعيد حاول خلال عهدته الأولى "استرجاع" البلد و"تطهيره" من الفساد بمساعدة القوات الأمنية والعسكرية، ويمكننا القول اليوم إن تونس "استرجعت" أنفاسها كدولة بنسبة 70%. بمعنى هناك قطار وسكة.
نحن نشكر تونس التي تعتبر السلة الطبية لليبيين، حيث في ظل وجود سياحة علاجية جيدة في تونس حوالي نصف مليون سائح ليبي يتجه سنويا إلى تونس من أجل العلاج. نتمنى أن يعود القطار الاقتصادي مجددا من الصادرات والواردات بين البلدين.
- كنتم قد وجّهتم دعوات لبعض الشركاء من الصين وروسيا من أجل الاستثمار في الطاقات المتجددة والطاقة النووية. أين وصل هذا الملف؟
بالنسبة للجانب الصيني نعم هناك شركات قدموا إلى ليبيا ووقعنا مذكرات تفاهم، وقطعنا أشواطا لا بأس بها في شقين: الشق الأول الاستثمار في مجال المصافي والشق الثاني الاستثمار في مجال السكك الحديدية، وأيضا الطاقات المتجددة. لكن جاءت أزمة البنك المركزي فأوقفت المشروع. الآن نحاول إعادة إحياء المشروع.
فيما يخص الجانب الروسي، وجهنا دعوة لهم، لكن حقيقة لم نتلق ردا، دعوناهم بحكم أن روسيا الاتحادية لازالت تحت حصار دولي، وروسيا كما هو معلوم هي سلة الطاقة في العالم، وعندما تحدثت أنا شخصيا مع بعض الشركات الروسية للاستثمار في مجال المصافي، كانت الدعوة مباشرة لهم أن يأتوا إلى ليبيا من أجل تكرير نفطهم وبيعه للغرب بأعلى الأسعار وهذا الخبر أثار وقتها ضجة دولية، ودعوتهم أيضا للاستثمار في الطاقة النووية، لكن لم نتلق ردا لحد الساعة.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :